Читать бесплатно книгу «الأيام الخوالي: قصة حب مريرة وقعت أحداثها في تركستان» Абдуллы Кадыри полностью онлайн — MyBook
cover














في النهاية، قرر حسن علي مغادرة مرغلان والعودة إلى طشقند. من هناك كانت تأتي طوال الوقت إشاعات مزعجة، وكان يتردد على الألسنة أن جيش قوقند لا يزال يحاصر طشقند. فكان حسن علي على دراية تامة بالأخطار التي تنتظره هناك، ومع ذلك، كان حدسه يخبره أن هذه هي الطريقة الوحيدة للنجاة، وأن عليه المغادرة إلى طشقند مهما كلفه الأمر. ببساطة لم يكن لديه خيار آخر.

أخبر كوموش وأمها بقراره، لكنهما كانتا في حزن عميق فلم تفهما جيدًا ماذا يريد أن يقول لهما فبكيتا بكاءً شديدًا. قال لها حسن علي "إنني هنا لن أستطيع فعل شيء معكما، على أية حال، يجب أن أذهب إلى طشقند لطلب المساعدة"، فسألته كوموش بصوت حزين منكسر:

– فكر في الأمر، إذا كنا لم نجد حلًا ولا أملًا هنا في مرغلان، فكيف تطلبه في طشقند؟

– علينا أن نجرب يا ابنتي، ربما سيجد والد زوجك مخرجًا، ويرشدنا إلى الصواب.

– وكيف نتصرف دونك؟ ماذا لو أن الطغاة.. – لم تستطع كوموش إنهاء كلامها وانفجرت بالبكاء، وأجهش حسن علي بالبكاء، لكنه تمالك نفسه، وقال محاولًا تهدئة كوموش:

– يجب ألا نستسلم للأفكار السيئة يا ابنتي؛ فالوالي على عكس الحكام الآخرين رجل عادل. نسأل الله تعالي أن يفرج كرب أبيك وزوجك قبل أن أعود من طشقند.

في تلك الليلة تجهز حسن علي للرحلة وأعد جوادًا كان لقوتيدار، وعند الفجر كان أول من غادر مرغلان من بوابة قوقند.

15. طشقند تحت الحصار

كان اليوم هو الحادي والخمسين لحصار طشقند، وقد انكسرت حدة البرد، وأصبح الطقس أكثر دفئًا بشكل ملحوظ، ونشرت الشمس أشعتها فأضاءت السماء. بدأ ذوبان الثلوج، وكثر الوحل في كل مكان. كان البخار يتصاعد من داخل أسوار الحصن.

وفي وقت مبكر من صباح اليوم، قامت قوات من جيش قوقند بمهاجمة طشقند من ناحية بوابة سمرقند، وانتهى هذا الهجوم نهاية مأساوية للغاية بالنسبة للقوات المهاجمة. حيث فر الجنود الناجون عشوائيًا إلى ملاجئهم المؤقتة للراحة قليلًا، ولتضميد جراحهم. كان مشهد المعركة مروعًا.

على طول سور الحصن بين بوابتي كمالان وسمرقند على مسافة خمسمئة خطوة تناثرت جثث الجنود التي نبشها اللصوص، والجثث شبه العارية، ومقطوعة الرأس، والمغطاة بالدم الأسود الكثيف. أما فوق أسوار الحصن، فقد استلقى الرجال المتطوعون للدفاع عن طشقند، المتعبون بعد المعركة والمبتهجون بانتصارهم، تحت أشعة الشمس الدافئة، بعضهم يرتدي العمامة، وبعضهم يرتدي القبعة العادية، أو الباباخا(22)، يتأملون ساحة المعركة التي تحولت إلى مقبرة مفتوحة مرعبة.

وهكذا، فيما بين البوابتين نرى مشهدين مختلفين تمامًا: أحدهما أسفل أسوار المدينة حيث تمتد مساحة هائلة من مئات الجثث مقطوعة الرأس أو الملطخة بالدماء السوداء المتخثرة، والمشهد الآخر هناك فوق أسوار المدينة حيث يقف الجنود المدافعون عنها يهللون بالنصر.

يقف أحد الجنود ويضحك في حماس شديد وهو يتفاخر بأنه قتل أحد قادة القبجاق: "عندما أصبته مباشرة، عليه اللعنة، ارتفع مسافة ثلاث أذرع فوق حصانه، ثم هوى على الأرض". رجل آخر يشير إلى جثة شخص ما في الأسفل: "انظر هناك، عندما اخترق سهمي ذلك القبجاقي، أخذ يئن ويتأوه، ففصلت رأسه عن جسده ونزعت عنه حزامه الذهبي، ومعطفه المذهب". وهكذا، ظلوا يتفاخرون ببطولاتهم ويتباهون بغنائمهم الثمينة التي غنموها: فهذا قد غنم حزامًا ذهبيًا، وذاك – خاتمًا من الياقوت، وثالث – معطف من فرو السمور، ورابع – سيف في غمد فضي، وغيرها من الغنائم.

في تلك اللحظة انطلقت من فوق أسوار الحصن أصوات تغني وتهتف باسم عزيز بك:

دام عهدك المجيد،

أيها الوالي القوي السعيد

دع نارمات(23) الشقي يموت

وليحترق القبجاق والجنود.

والآن اسمح لي، عزيزي القارئ، أن أذهب معك قليلًا، متجاوزين جثث القتلى، إلى جهة الغرب. ولنتوقف عند بوابة سمرقند التي يبلغ ارتفاعها ست أذرع وعرضها خمس أذرع، مثبتة في سور الحصن الذي يبلغ ارتفاعه ثماني أذرع. ونظرًا لأننا معرضون لهجوم مباغت من العدو فإننا سنطرق البوابة بفارغ الصبر:

– افتحوا البوابة، افتحوا بسرعة.

ومع ذلك سوف يتجاهلنا حراس البوابة تمامًا، لكن لنواصل الطرق بشدة وإصرار، وأخيرًا بعد مرور خمس عشرة دقيقة تقريبًا يسأمون من الطرق على البوابة، ويتسلق أحد الحراس على مضض وببطء شديد سور الحصن ليتفحصنا بعناية، وبعد أن يتأكد أننا منهم، أي من أهل طشقند، بصعوبة بالغة يفتح قفل البوابة الضخم الذي في حجم رأس الجمل وينزع السلسلة فتفتح البوابة. وبينما نمر عبرها إلى الداخل نسمع تمتمته المتذمرة والغاضبة منا حتى يغلق البوابة مرة أخرى.

دعونا نلقي نظرة سويًا على هذا الحارس المتجهم؛ إنه يرتدي معطفًا من جلد الغنم، يلف خصره بحزام من القماش الرخيص، يتدلى منه مفتاح بوابة الحصن، ويرتدي فوق رأسه قبعة من الفرو التركماني طولها نصف ذراع. لنذهب إلى يمين البوابة قليلًا، ثم على مسافة خمس عشرة خطوة تقريبًا في داخل الفناء في منطقة مفتوحة تشبه الشرفة نجد المزيد من حراس البوابة يجلسون حول النار يتدفأون ويدخنون الأرجيلة.

لنواصل رحلتنا على طول الجانب الداخلي لسور الحصن. الآن نرى مجموعات الرماة الذين كانوا قبل ذلك يقفون على حافة أسوار الحصن. ودعونا ننظر إليهم عن كثب؛ إنهم الآن يستريحون ويجلسون فوق أعلى درجة من درجات السلم المؤدي إلى أعلى السور، ويستمتعون بأشعة الشمس الدافئة. ملابسهم مزركشة بألوان متنوعة، وأعمارهم متفاوتة. هؤلاء جميعًا ببساطة شديدة هم من سكان طشقند الذين هبوا للدفاع عن مدينتهم؛ بعضهم يحمل السيف، وبعضهم يحمل البنادق. المنطقة المحمية بأكملها حتى بوابة كمالان تبدو كأنها لوحة فنية خلابة.

وفي مكان ما في المنتصف بين بوابتي سمرقند وكمالان كان يقف بك في رداء مزركش، يحمل سيفًا معلقًا على حزام فضي، ويرتدي فوق رأسه عمامة من الحرير فضية اللون، وكان يتحدث إلى شاب يقف بجواره، كأنما يشرح له شيئًا وهو يشير إلى مجموعة من الأشياء الموجودة أمامه. إذا اقتربنا منهما لمسافة خمسين أو ستين خطوة أخرى، نجد شيئًا مريعًا "تل الرعب"، الذي تبدو أمامه المشاهد المروعة التي رأيناها من قبل خارج أسوار الحصن لا شيء مقارنة به. هذا الشيء الذي نراه أمام أعيننا يجعلنا نفقد الوعي من هول ما نراه، واشمئزازًا مما نرى. فأمام أعيننا تل يتألف من ثلاثة إلى أربعمئة رأس بشري.

يا للهول! تلك اللحى الطويلة، والشعر المتناثر المخضب بالدماء، وتلك الوجوه الرمادية الشاحبة، والعيون المغطاة بضباب الموت، شبه المفتوحة وكأنها ترسل لعناتها إلى عالم الأحياء. كان بينها رأس واحد مخيف بشكل خاص. ربما لم يتم صاحبها العشرين من عمره، ولم يتجاوز شارباه شفتيه بعد. بدت عيناه نصف مفتوحتين تحت حاجبين كثيفين ملطخين بالدماء وكأنها تبحث عن شخص ما. يبرز لسانه من بين أسنانه البيضاء في فمه نصف المفتوح. النظرة المخيفة على وجه القتيل كأنما تأسف على أنه كتب عليه أن يولد في هذا الزمن الرهيب بين شعب طائش متهور.

من بين هذه الرؤوس المخيفة تعرَّف البك أحد القبجاق، وأشار إليه للشاب الذي يقف بجواره. في تلك اللحظة ظهر ثلاثة من الفرسان المسلحين وهم يركضون من جهة بوابة كمالان:

– سليمان كبير الياوران- صاح الرجال الجالسون فوق سور القلعة.

عندما اقترب كبير الياوران من قائد الحصن أعلن أن صاحب الجلالة عزيز بك سيصل الآن، ثم انطلق الفرسان عائدين بسرعة كما ظهروا بسرعة، ويعني ذلك أنه بعد إعلان كبير الياوران مباشرة سيأتي عزيز بك بنفسه لتكريم جنوده وتهنئتهم بهذا النصر المبين الذي حققوه اليوم.

بعد أن أدار كبير الياوران رأس جواده عائدًا إلى حيث أتى، أصبح رئيس القلعة متوترًا للغاية، وأخذ يركض ذهابًا وإيابًا كالمجنون، موجهًا أوامره إلى الجنود:

– أيها الرجال الشجعان، الواقفون هناك فوق أسوار القلعة، اصطفوا كما ينبغي لكم، واستعدوا لمقابلة البك. يا حسين بك، هيا اركض بسرعة وحذر حراس البوابة. وأنت يا غني بك، ساوِ صفوف فرقتك. وأنت يا قائد الحرس، حافظ على النظام.

دبت الحركة في الحصن، فنزل الرجال الواقفون على الدرجات العليا للسلالم إلى أسفل درجة واحدة وبدأوا في الاصطفاف. في وسط دوي الحركة المتصاعد امتطى قائد الحصن جواده، وأخذ يتنقل من جانب إلى آخر مصدرًا أوامره وتعليماته إلى رجاله:

– اجمعوا أيها الرجال. اصطفوا جميعًا. استعدوا للترحيب بالبك.

ارتفع الصخب، وبدأ المقاتلون المسلحون بالبنادق والسيوف والفؤوس والرماح في تسوية صفوفهم. في منتصف التشكيل رفعت راية خضراء، وهكذا، كان كل شيء جاهزًا للاستقبال الرسمي لحاكم المدينة عزيز بك.

16. عزيز بك

بعد ثلاث أو أربع دقائق ظهرت فرقة كبيرة من الفرسان من ناحية بوابة كمالان. كان هذا عزيز بك يقترب برفقة قادة عسكريين، محاطًا بحاشية قوامها مئة جندي. كان يجلس مزهوًا فوق ظهر مهر كستنائي اللون عليه عدة مذهبة، وكان يرتدي رداءً مزركشًا متلألئًا بألوان قوس قزح تحت أشعة الشمس، بياقة وأكمام مطرزة بشريط ذهبي مضفور، ويضع فوق رأسه عمامة من الحرير الأبيض، ويلتف حول خصره حزام ذهبي معلق فيه سيف جزائري الصنع في غمد فضي، وقد وضع قدميه في ركاب مصنوعة من الفضة.

كان وجه عزيز بك قمحي اللون، مؤطرًا بلحية مدببة، وحاجبين خفيفين متناثرين. كانت ملامحه توحي بأن عمره ما بين الخمسة والأربعين والخمسين عامًا تقريبًا. كان يتبعه على ظهر حصان أسود كالغراب رجل يرتدي رداءً أزرق مبطنًا بالفراء، ويضع فوق رأسه قبعة من صوف الخراف، ويتدلى من جانبه الأيمن سيف معلق بحزام فضي حول خصره، وفي جانبه الأيسر مسدس. كان وجهه الداكن بلا حاجبين، كأن حاجبيه قد نتفهما الجن، وعلى جانبي وجهه وذقنه نمت لحية متناثرة وشعر رقيق ناعم، كانت عيناه الغائرتان محتقنتان بالدم. كان ذلك هو القائد العام لجيش عزيز بك، وذراعه اليمنى رحيم بك دادخاه.

إلى جانبه على ظهر حصان صغير كان يسير شخص ما يرتدي ثوبًا بخاريًا مقلمًا، وليس حول خصره حزام، وفوق رأسه عمامة كبيرة. كان الرجل مستدير الوجه، حسن المظهر، بعينين بنيتين صافيتين، ولحية طويلة رمادية اللون. كان يشبه في هيئته رجال الدين، وكان بالإضافة إلى ذلك أعزلًا بلا سلاح، وكان يركب فوق ظهر حصانه متكئًا بمقبض السوط على مقدمة السرج.

خلف هؤلاء الثلاثة كان يسير صف من الجنود في مجموعات من أربعة رجال، يرتدون جميعًا سترات قصيرة بطول الركبة من القماش الأزرق، وسراويل من القماش الأحمر، وينتعلون في أقدامهم أحذية خضراء اللون مصنوعة من جلود الخيل، وعلى رؤوسهم قبعات تشبه تلك التي يرتديها رايم بك، لكنها كانت مغطاة بقماش مخملي أحمر. وكانوا جميعًا يرتدون حول الخصر أحزمة جلدية بيضاء معلق بها سيف في الجهة اليسرى، وطبنجة في الجهة اليمنى. بشكل عام كان الموكب منظمًا ومصطفًا بشكل جيد، على الرغم من أن العديد من الجنود كانوا متقدمين في العمر.

اصطف أبطال المعركة عند سور الحصن للترحيب بعزيز بك، وفي خضوع انحنوا جميعًا له حتى كادت رؤوسهم تلامس الأرض. رد عليهم عزيز بك بإيماءة من رأسه وهو يضع المقبض الذهبي لسوطه على صدره. نزل قائد الحصن، الذي كان يقف عند تلة الرؤوس المقطوعة، عن جواده، وبقى في مكانه ممسكًا بعنان الفرس بين يديه المضمومتين إلى صدره، منتظرًا باحترام وتوقير لحظة اقتراب البك من هذا المكان. بقيت أربعون أو خمسون خطوة تفصل بين البك وتلة الرؤوس المقطوعة. حدّق عزيز بك باهتمام شديد في الرؤوس المقطوعة حتى إنه نسي رد التحية. وكذلك نظر القادة والجنود الذين رافقوا عزيز بك إلى هذا التل الرهيب.

اقترب عزيز بك من التلة وأخذ يحدق لبعض الوقت في هذا المنظر الذي لاح أمام عينيه. ثم التفت إلى قائد الحصن الذي كان لا يزال واقفًا ويداه مضمومتان إلى صدره، وقال مبتسمًا:

– أحييك على شجاعتك؛ اليوم لقنت القبجاق درسًا قاسيًا، وهزيمة ساحقة مثلما فعل رستم الأسطوري، لقد سحقوا مثل الكلاب. شكرًا للرجال على شجاعتهم وبطولاتهم، بارك الله في أعمارهم.

أنهى عزيز بك كلمته، وعلى الفور صاح كبير الياوران بصوت عالٍ حتى يسمع من هم فوق:

– إن البك المبجل والمعظم لدينا يشكركم جميعًا على شجاعتكم التي أظهرتموها اليوم، ويتمنى لكم العمر المديد.

كانت صيحات الجنود-الرماة عالية جدًا لدرجة اهتزت لها أرجاء المكان:

– شكرًا سيدي، أطال الله بقاء الحاكم، ووسع له في ملكه.

ضم عزيز بك السوط إلى صدره وانحنى للجنود. ثم أعطى الأمر لكبير الياوران:

– فليمنح قائد الحصن رداءً من الديباج المذهب، وأمراء المئة – أردية من الحرير، والرجال الشجعان الآخرون – ثلاث عملات فضية لكل واحد منهم.

ترددت مجددًا هتافات الرجال بالشكر لسيدهم: – زاد الله في ملكه.

تقدم اثنان من أمناء الخزانة في موكب الوالي يمسكان بعناني جواديهما، واقتربا من كبير الياوران. كان واحد من الجياد يحمل فوق ظهره الأثواب، والآخر يحمل خُرجًا مملوءًا بالعملات المعدنية. أخذ كبير الياوران ثوبًا من الديباج المذهب وقدمه إلى قائد الحصن الذي أقبل يرتديه وهو يردد بفخر كلمات الشكر والثناء والمديح لعزيز بك. ثم بعد ذلك كلف كبير الياوران أحد أمناء الخزانة بأثواب الحرير، وكلف الآخر بأكياس النقود وصعد مع قائد الحصن إلى أعلى أسوار الحصن، ثم بدأ يوزع المنح والعطايا كما أمر عزيز بك – ثلاث قطع فضية للجنود، وأثواب الحرير لأمراء المئة.

في هذه الأثناء كان عزيز بك يدور فوق ظهر حصانه حول تل الرؤوس المقطوعة، وهو يشير لرايم بك الذي رافقه مع الرجل الذي يرتدي ثوبًا بخاريًا مخططًا إلى رؤوس قادة عسكريين يعرفهم جيدًا من جيش قوقند، وهو يحكي لهما أي منصب كان يشغله كل منهم، والفظائع التي ارتكبها كل منهم في حق القاره تشوبان. كان رايم بك يصغي إليه باهتمام كبير، في حين أشاح الرجل ذو الرداء البخاري المخطط بوجهه عن هذا المنظر الشنيع، وكان فقط من حين إلى آخر يردد: "نعم، نعم سيدي"

خلال نصف ساعة انتهت مراسم توزيع المنح والعطايا. اقترب كبير الياوران من عزيز بك بأكياس فارغة، وانحنى له باحترام وإجلال، فالتفت عزيز بك إلى قائد الحصن:

– هل بقي أحد لم يأخذ عطيته؟

– كلا، سيدي. كلهم رعايا تحت ظل حكمك المبارك.

– متى بدأ القبجاق بالهجوم اليوم؟

– مع بزوغ الفجر، بدأت أصوات المدافع ترعد من ناحية آق تيبا، بعد مرور خمس عشرة دقيقة بعد ذلك ظهرت كتائب فرسان القبجاق، واندفعوا نحو بوابة سمرقند. عندها قمت بدفع الرماة إلى البوابة وأمرتهم أن يطلقوا النار عبر الثغرات والفتحات الموجودة بالبوابة. فظلوا يطلقون النار بلا توقف لمدة خمس عشرة دقيقة تقريبًا، فلم يستطع القبجاق تحمل نيران البنادق فانسحبوا من بوابة سمرقند، واتجهوا إلى الهجوم على المواقع عند بوابة كمالان- دروازة. ثم إني، بمباركة فخامتك، أطلقت يد الرماة الموجودين هناك أيضًا. بعد اشتباك دام حوالي ساعة لم يستطع العدو مقاومة الرصاص الذي نزل على رؤوسهم كالمطر، ففر هاربًا تاركًا وراءه ثلاث أو أربعمئة جثة بين بوابتي كمالان وسمرقند. في حين سقط منا خمسة قتلى فقط وأصيب تسعة رجال.

كان عزيز بك يستمتع بما يسمع، وأشاد مجددًا بشجاعة رجاله المنتصرين، ثم سأل:

– هل ظهر القبجاقي نارمات خلال المعركة؟

– لا يا سيدي، لم يظهر بالقرب من القلعة. ولو ظهر…

– يجب أن نكون مستعدين لهذا.

– بالطبع، تحت ظل حكمكم المبارك هذا هو أهم شيء بالنسبة لنا.

صاح عزيزبك مخاطبًا الجنود: "أنا راضٍ عنكم"، بعد ذلك تحرك مع حاشيته إلى بوابة سمرقند وسط صيحات الشكر والامتنان والبهجة من الرجال المدافعين عن الحصن.

فرحًا بالنصر، قرر البك القيام بجولة لتفقد أسوار الحصن، ومن ثم تجاوز بوابة سمرقند واتجه نحو قناة تشاقار. كان سور الحصن يرتكز في عمق قناة تشاقار شديدة الانحدار، حيث كان من المستحيل بناء الجدار فوق مياه القناة، وهكذا بقيت ضفة القناة مفتوحة، وخلفها مباشرة تل مرتفع تحيطه من الجهة الجنوبية مياه قناة تشاقار، ومن الجهة الغربية مياه قناتي بوز-سو، وكوكتشا. كان هذا التل المحصور بين مجريين مائيين يعد، حتى دون أية تحصينات، مانعًا طبيعيًا ممتازًا أمام هجوم الأعداء. فوق التل بنيت عدة مواقع للجنود تطل على ثلاثة من الاتجاهات الأصلية – الشمالي والغربي والجنوبي، ونصبت فيها المدافع التي وجهت فوهاتها إلى هذه الاتجاهات الثلاثة، وكانت هذه المدافع تحرسها باستمرار فرق من جنود المدفعية والحراس.

عبر عزيز بك مع رجاله المجرى المائي وصعد إلى ذلك التل المذكور آنفًا. تفقد المواقع والجنود والحراس وأمر لهم بعطية من النقود. بعد ذلك عاد الموكب بأكمله إلى الجهة الشرقية للتل، حيث كانت الجهات الثلاث الأخرى، كما قلنا شديدة الانحدار، ويبلغ ارتفاع التل من تلك الجهات ما يوازي طول بضع أشجار من أشجار الحور. ولكي يصلوا إلى بوابة كوكتشا كان عليهم النزول أولًا على مقربة من مقابر سوزوك أتا في اتجاه قناة كوكتشا، ثم عبور القناة، ومن ثم الدوران في اتجاه بوابة الحصن.

في تحصينات كوكتشا تمركز عدد أقل من الجنود مقارنة بالمواقع الأخرى، ومع ذلك كان عدد الجنود في الأماكن الأخرى قليلًا. كان كبير الياوران يسير متقدمًا قليلًا عن عزيز بك، معلنًا قدومه. وكان المحاربون الشباب والقدامى المسلحون بالبنادق والهراوات يستقبلون الحاكم بالترحاب ويستمعون بكل فخر إلى رده على تحيتهم: "أشكركم أيها الرعية"، وهكذا، طاف عزيز بك حول بوابات كوكتشا، وجغتاي، وساغبان، وقاره سراي، وتختابول، ولابزاك حتى وصل أخيرًا إلى بوابة كاشغر. ونظرًا لقرب هذه البوابة من قصر الحاكم فقد عُزِّزت الحراسة عندها بعدد كبير من الجنود. كانت هتافات الترحيب تتردد من كل جانب.

لم يكد عزيز بك يصل إلى بوابة كاشغر حتى سمع صوت طرقات قوية وملحة على البوابة من الخارج. استدار الجواد الذي كان يمتطيه عزيز بك ووقف على قدميه الخلفيتين لسبب ما، أو لأن أصوات الطرقات على البوابة قد أخافته. وهكذا اضطر الموكب كله إلى التوقف. صاح عزيز بك في حارس البوابة الذي انحنى أماه وقد قبض يديه على صدره:

1
...

Бесплатно

0 
(0 оценок)

Читать книгу: «الأيام الخوالي: قصة حب مريرة وقعت أحداثها في تركستان»

Установите приложение, чтобы читать эту книгу бесплатно