– كانت هناك أحاديث مختلفة، سيدي– تابع حامد – وكانت الشخصية المحورية في هذا الاجتماع هو أتابك، وهو الذي بدأ الحديث عن ظلم القبجاق ووحشيتهم، وعن أعمال العنف التي يدعي أنهم يقومون بها. وذكر أنه في طشقند قرر عزيز بك ووالده إقصاء القبجاق عن حكم البلاد، واقترح أن يثور الناس عليهم في مرغلان أيضًا. لقد أيده الجميع، خاصة ميرزا كريم قوتيدار. من الضروري التحذير من هذا الأمر الفظيع في أسرع وقت ممكن، وإلا ستكون هناك عواقب وخيمة على السلطات وعلى البلاد بأسرها، يا صاحب السعادة.
– وفي منزل من جرى هذا الاجتماع؟
لم يكن حامد يتوقع مثل هذا السؤال، مما جعله يرتبك كثيرًا؛ لأنه إذا قال في منزل من كان هذا الاجتماع فسوف يُعتقل كل من صهره وابن اخته رحمت. وكان هذا بالنسبة له كمن قام بضرب قدميه بالفأس ذاتها التي ضرب بها عدوه، ولا سبيل إلى عدم الرد. فجاء رده مرتبكًا:
– لا أستطيع تذكر مكان الاجتماع.
فصاح رئيس الشرطة في غضب:
– ماذا، كيف لا تذكر؟
كان حامد يائسًا ومرتبكًا تمامًا، وأخذ يغمغم في ضعف وانكسار:
– ربما أتذكر، لكني لا أستطيع البوح به، المكان له وضع حساس للغاية.
– ماذا يعني له وضع حساس؟ – صاح رئيس الشرطة بغضب وانفجر ضاحكًا. – إذا لم تخبرني بمكان الاجتماع فسوف ألقي بك في الحفرة مع الخونة الأوغاد الآخرين.
– أرجوك، الرحمة سيدي.
لكن رئيس الشرطة أخذ يزمجر بشراسة: لا رحمة.
لم يكن لدى حامد سوى فرصة أخيرة للنجاة؛ أخذ يفتش في جيبه، وبصعوبة بالغة أخرج محفظته وأخذ منها دون عَدٍّ عشر قطع تقريبًا من العملات الذهبية.
ثم قال وهو يمد يده بالنقود إلى رئيس الشرطة: – سيدي، هذه هدية صغيرة لكم، أرجو أن تقبلها.
عندما كان حامد يفتش في جيبه، تبدلت تعابير وجه رئيس الشرطة؛ فها هو الآن يتحدث بنبرة مختلفة، لطيفة مهذبة بعض الشيء وهو يدس النقود في جيبه في هدوء:
– إذًا هو مكان له وضع حساس، كما تقول، يا عزيزي حامد؟
– أجل، سيدي.
– وهؤلاء الأوغاد خططوا للقيام بالتمرد؟
– سيدي، لا بد من منع أفعالهم، وإلا ستكون العواقب وخيمة بلا شك.
– هؤلاء المتمردون سيعاقبون، بالطبع، سأبلغ الحاكم على الفور. يجب أن نقبض على الأوغاد فورًا قبل أن تطلع عليهم الشمس.
تهللت أسارير حامد، وشعر بالبهجة من فكرة الانتقام الوشيك. كيف انخدع رئيس الشرطة بهذه السهولة. في هذه الأثناء أخذ الأخير محبرة من الرف وغمس فيها قلمًا وسأل:
"هيا يا حامد بك، أخبرني أسماء هؤلاء المتآمرين.
– أحدهم يدعى أتابك بن يوسف بك حاجي من طشقند.
قال رئيس الشرطة وهو يدون الأسماء: "حسنًا، حسنًا. تقول ابن يوسف بك حاجي، يا له من وغد! إنهم يريدون إغراق مرغلان أيضًا في بحور من الدماء. ومن الثاني؟
– ميرزا كريم من مدينة مرغلان، وقد زوج ابنته منذ أيام قليلة من أتابك.
– الوغد حتى في الظلام يمكن أن يشم رائحة وغد مثله. من أيضًا؟
– حسن علي – عبد أتابك.
– هل هناك شخص آخر؟
تردد حامد للحظات، ثم أجاب:
– كان هناك أيضًا أكرم حاجي من أنديجان. لا أعرف هل هو في مرغلان الآن أو لا.
سجل رئيس الشرطة هذا أيضًا قائلًا:
– إنها قضية ليست سهلة على ما يبدو. من أيضًا؟
– هذا كل شيء سيدي. أهم ما في الأمر هو القبض على أتابك وميرزا كريم؛ لقطع رأس الأفعى. حينها لن يكون الآخرون قادرين على فعل أي شيء.
ترك رئيس الشرطة القلم ووضع الورقة في جيبه وقال:
– حسنًا، المسألة واضحة. صباح الغد ستعرف ماذا تم في هذا الأمر.
فقام حامد من مكانه، وانحنى باحترام أمام رئيس الشرطة، ثم غادر المكان.
13. اعتقال
كانت قلعة القصر قد بنيت في منطقة يارمزار بالقرب من أسوار المدينة. أمام البوابة على مساحة عدة أفدنة يمتد بستان كبير من أشجار التفاح والمشمش والكمثرى والتوت. على جانبي البوابة كانت هناك أسوار من الطوب اللبن بارتفاع ثماني أذرع مزينة بزخارف ملونة.
عند البوابة نرى اثنين من الحراس يرتديان قبعتين من الفرو (أوشانكا)، وأردية طويلة مصنوعة من الكتان الخشن، مسلحين بسيفين معلقين بأحزمة تلتف حول الخصر، وقد وقفا متكئين على بندقيتيهما. كانت ساعة الغروب تقترب، فقام الحارس النوبتجي بإغلاق البوابة الثقيلة، التي كانت قد تركت مواربة قبل قليل، وأحكم غلقها بصعوبة بسلسلة كبيرة.
الآن، عزيزي القارئ، ليس لدينا فرصة لدخول القلعة؛ لذا دعنا نتجول حولها قليلًا: بعد مائتي خطوة تقريبًا إلى اليسار من البوابة نصل إلى إحدى زواياها، حيث يرتفع في السماء برج حراسة خاص، لكنه خال الآن من نوبات الحراسة. بعد ذلك إلى الجنوب تمتد أرض فضاء، بعد أربعمئة خطوة أخرى في هذا الطريق نجد أنفسنا قد وصلنا إلى الزاوية الثانية – الجنوبية الشرقية – التي تخلو أيضًا من جنود الحراسة؛ من هنا يمكنك رؤية الزاوية الجنوبية الغربية. بعد أن قطعنا ما مجموعه ألف وستمئة خطوة نكون قد درنا حول الحصن بأكمله ومن ثم نعود مجددًا إلى البوابة عند الجهة الغربية.
أصبح الظلام شديدًا، حتى إنه لم يعد من الممكن تمييز وجه الشخص الذي يقف بجانبنا. كان الحراس عند البوابة يقفون منتبهين مشدودين بلا حراك كالتماثيل. كان صوت حوافر الخيول قادمًا من ناحية المدينة، وكان يقترب أكثر فأكثر. فقال أحد الحراس مخاطبًا زميله: كأنه صوت حوافر الخيل، فأخذ الحارس الآخر يحدق في ظلمة الطريق، ثم قال: كأني أرى فرسان ثلاثة قادمين."
– من عساه يأتي إلينا في مثل هذا الوقت الغريب؟
– لا أحد غير رئيس الشرطة قد يأتي في مثل هذه الساعة، ربما يكون هو.
وبالفعل كان هو؛ رئيس الشرطة برفقة اثنين من الفرسان. بعد أن سلم لجام حصانه إلى أحد الحارسين، أمر الحراس قائلًا:
– افتحوا البوابة.
ردد الحراس الأمر وفتحت البوابة من الداخل، فاجتاز رئيس الشرطة البوابة.
كنا قد قدرنا بالفعل طول أسوار القلعة، ولك أن تتخيل مدى اتساع مساحتها من الداخل، لكن كان هناك جدار يمتد في داخل القلعة من الشمال إلى الجنوب، قاسمًا إياها قسمين؛ في القسم الأكبر منهما كانت تعيش أسرة حاكم المدينة. كان الفناء الخارجي من الجوانب الثلاثة (الجنوبي والشرقي والغربي) خاليًا من أية مبانٍ، ولم يكن هناك سوى سلالم تؤدي إلى أسوار القلعة. لكن بجوار السور الشمالي الذي توجد به البوابة كان يوجد منزل يقع في جانبه الأيسر مكتب الحاكم، بعده يظهر مبنى يحتوي على خمس عشرة نافذة، وطوله أربعون ذراعًا، وعرضه عشرون ذراعًا، وقد تجمع فيه قرابة خمسين جنديًا مسلحين حول نار أشعلوها للتدفئة، بعده على طول الجانب ذاته يوجد المطبخ، وإسطبلات الخيول وغيرها من المباني الأخرى.
توقف رئيس الشرطة قرب البوابة وسأل:
– هل البك موجود؟
– لا أعلم، سيدي – أجاب الحارس وهو يغلق البوابة بصعوبة.
في تلك اللحظة أشعل الجندي المسئول عن الإنارة في القلعة النار في شعلة كبيرة بالقرب من البوابة؛ فأضاء الفناء بأكمله. اتجه رئيس الشرطة مباشرة إلى يمين البوابة. على هذا الجانب ارتفعت المباني الجميلة المزينة ببراعة، التي جسدت مهارة أفضل الحرفيين في المدينة وحرفيتهم. ثم اجتاز الباب الأول الذي وقف عنده حارس مسلح، ودخل إلى غرفة صغيرة مزينة بالنقوش ومغطاة بالجص، ثم مر عبر الباب الثاني فوجد نفسه في قاعة فخمة كبيرة؛ جدرانها مضاءة بالشموع المتراصة في شمعدان ذهبي. كانت الأضواء، كأنها انعكاسات النجوم، تغمر الجدران المطلية بألوان الذهب، والفضة، والأزرق، والأحمر، والأبيض، والوردي، والأصفر، والأسود، وقد أعطى تألق الألوان وتنوعها القاعة مظهرًا رائعًا. بدت زهور الزنبق المنسوجة على السجادة الحمراء كأن الحياة والانتعاش يفوحان منها، كما لو كنا نقف في وسط مرج مزهر.
في مكان بارز في القاعة في مواجهة المدخل الرئيس، عند باب مذهب صغير، جلس شاب لطيف يبلغ من العمر حوالي خمسة عشر عامًا، يرتدي رداءً مخمليًا قرمزيًا، يأكل الأرز البخاري.
– آه، أحمد خان، هل أنت هنا؟" – قال رئيس الشرطة مبتسمًا.
فأجاب الشاب دون أن يتحرك من مكانه:
– أنا دائمًا هنا. اجلس وتناول معي الطعام.
– شكرًا لك. هل الوالي موجود؟
– نعم. – قال أحمد خان – لا تخجل، هيا تناول الأرز. لقد أكلت حتى شبعت.
– يشرفني أن آكل من يدك المباركة.
تناول أحمد خان حفنة كبيرة من الأرز البخاري بيده، ومدها إلى فم رئيس الشرطة، الذي بدا وجهه مشرقًا سعيدًا بهذا الشرف، وبدا أنه على استعداد لابتلاع ليس فقط حفنة الأرز، بل يد أحمد خان أيضًا.
لم يمض وقت طويل، حتى فُتح باب صغير في الجزء الخلفي من الغرفة، ودخل القاعة رجل ممتلئ الوجه، بحاجبين كثيفين، ولحية متناثرة، ونظرة قاسية، متوسط القامة، يبلغ من العمر حوالي خمسة وأربعين عامًا. يرتدي رداءً مزركشًا من الديباج، ويتدلى سيف من الحزام الملفوف حول خصره. من الطريقة التي هب بها كل من رئيس الشرطة وأحمد خان واقفين، وبمقدار الاحترام الذي انحنوا له به، يمكننا أن نخمن من يكون هذا الرجل؛ جلس الرجل على وسادة من قماش الساتان وتحدث بنبرة مؤثرة:
– كيف الأحوال، خالق بك، هل كل شيء على ما يرام في منطقتك؟ تفضل اجلس.
– الحمد لله، كلنا تحت ظل نعمتك. – قال رئيس الشرطة، وهو ينحني بشدة، ثم جلس على ركبتيه قابضًا يديه.
أخذ أحمد خان الطبق الفارغ، ومفرش المائدة، وخرج من الباب الصغير نفسه الذي ظهر منه الوالي.
– ماذا حدث مع لصوص الأمس، هل قبضت عليهم؟
– تحت ظل نعمتك، قبضنا على أحد اللصوص، وآمل أن نقبض على الآخرين قريبًا بمساعدتك، سيدي.
– هل هناك شيء آخر؟
أصبحت تعابير وجه رئيس الشرطة أكثر جدية، وقال:
– تحت ظل نعمتك، يبدو أنني اكتشفت وكرًا للمتآمرين الذين يشكلون خطرًا على نظام الحكم.
أخذ الوالي سيفه الذي كان لا يزال معلقًا في خصره، ووضعه على ركبتيه، وسأله ببروده السابق:
– أي متآمرين؟
– ومن يكون أشد خطرًا على حكمنا من القاره تشوبان، سيدي؟
هنا سقط قناع اللامبالاة من على وجه الوالي، فانتبه وفتح عينيه على اتساعهما:
– أكمل؟
– أنت تعلم أن عزيز بك مع مستشاره يوسف بك حاجي قاما بتمرد في طشقند، لكنهما لم يكتفيا بذلك وقررا نشر الفوضى والاضطرابات في مرغلان أيضًا، وأرسلا رجلهما المخلص إلى هنا من أجل هذه المهمة.
– هل عرفت من هو؟
– عرفت، سيدي. – قال رئيس الشرطة بنبرة فخر – إنه ابن يوسف بك حاجي، ومعه عدد من المتمردين من مرغلان.
– ابن يوسف بك حاجي؟ – سأله الوالي.
– نعم، سيدي، واسمه أتابك.
لمعت عينا الوالي، وأخذ يفكر وهو يفرك جبينه، ويشد لحيته بيده اليسرى. ترك هذا الخبر انطباعًا قويًا عليه: فمن المحتمل جدًا أنه في الوقت الذي انتفضت فيه طشقند ضد قوقند، أرسل أحد المحرضين على الاضطرابات في طشقند – وهو يوسف بك حاجي – ابنه إلى مرغلان بهدف القيام بتمرد هنا أيضًا.
– أين يقيم الآن؟
– في منزل رجل اسمه ميرزا كريم قوتيدار.
– وما علاقته بميرزا كريم؟
– هذا هو بيت القصيد، سيدي؛ فقوتيدار هو أقرب شخص لأتابك في مرغلان. قبل أيام قليلة زوج قوتيدار ابنته من أتابك؛ ليصير صهرًا له. يقال إن أتابك يتشاور مع حميه في كل شيء.
– ومن ينضم إليهما أيضًا؟
أخرج رئيس الشرطة قطعة من الورق من جيبه، وقال وهو يمد يده بها إلى الوالي:
– حتى الآن لا أعرف سوى هذه الأسماء.
بمجرد أن انتهى من قراءة البلاغ، أمر الوالي بالقبض على كل من ورد اسمه فيها على الفور. فانحنى له رئيس الشرطة ثم غادر الغرفة، في حين استغرق الأول في التفكير بعد أن قرأ قائمة الأسماء مرة أخرى بعناية.
***
كان الوالي أوتاباي قوشبكي(21) قد خرج لتوه من خلوته في اللحظة نفسها التي دخل فيها رئيس الشرطة، فانحنى الأخير له، ثم قال:
– لقد أُحضِر الأشخاص المطلوبون سيدي. لكن هناك اثنين لم نجدهما.
– وأتابك؟ – سأله الوالي بفارغ الصبر.
هتف رئيس الشرطة بنبرة المنتصر: قبضنا عليه، سيدي، وقوتيدار أيضًا.
– أحضرهم إليّ.
تنفس الوالي الصعداء وهدأت نفسه. فخرج رئيس الشرطة وأعطى إشارة من الردهة لمن في الفناء، ثم عاد إلى الوالي وطلب الإذن بالجلوس. برفقة اثنين من الحراس دخل أتابك وقوتيدار، وانحنوا جميعًا أمام الوالي، الذي أشار للحراس بالانصراف، ثم دعا أتابك وقوتيدار إليه بلطف. كان وجه أتابك يعكس حيرته، في حين بدا قوتيدار خائفًا وبدا وجهه شاحبًا للغاية. عندما اقتربا من الوالي جثوا على ركبتيهما. نظر الأخير إلى أتابك نظرة فاحصة، وسأله:
– هل أنت أتابك؟
– نعم، سيدي، أنا.
– هل أنت ابن يوسف بك حاجي من طشقند؟
– نعم سيدي.
– أنت تقيم الآن في مرغلان؟
– نعم، سيدي.
– منذ متى وأنت هنا؟
– منذ حوالي أربعين يومًا.
– ما الغرض من زيارتك إلى مرغلان؟
– جئت في تجارة، سيدي.
– هل جئت تتاجر وحدك؟
– معي شخص آخر.
ألقى الوالي نظرة على القائمة التي كان يحملها أمامه، وواصل التحقيق:
– من حسن علي؟
هنا ارتبك أتابك قليلًا، لكنه أجاب بهدوئه السابق:
– هو خادمنا، الشخص الذي أتيت معه من طشقند هو حسن علي.
– وأين حسن علي الآن؟
– في مرغلان.
– هل يعيش معك؟
– كلا، إنه يقيم في خان للمسافرين. لدينا هناك بعض البضائع، وهو يعتني بها.
– من يكون هذا الشخص بالنسبة لك؟ – أشار الوالي إلى قوتيدار.
– هو والد زوجتي.
– منذ متى وهذه الصلة قائمة بينكما؟
– اليوم هو اليوم الثامن من زواجي بابنته.
– هل سبق لك الزواج؟
– لا.
– لماذا إذًا تزوجت من فتاة من مرغلان وأنت من طشقند؟
كان أتابك مرتبكًا، فظن الوالي أن ارتباكه هذا دليل على صحة شكوكه:
– أجب.
– إنه النصيب، سيدي.
صمت الوالي هنيهة، ثم فكر وواصل الاستجواب:
– من تعرف أيضًا في مرغلان؟
– لا أعرف سوى ثلاثة أو أربعة أشخاص، لا أكثر.
– هل تعرف أكرم حاجي؟
– نعم أعرفه؛ التقيت به عدة مرات.
– وأين هو الآن صديقك أكرم حاجي؟
– لست أدري، سيدي، – قال أتابك ونظر إلى حميه، كأنما يخاطبه لمساعدته في الرد على السؤال.
فقال قوتيدار: أكرم حاجي على الأرجح في أنديجان، سيدي".
– حسنًا، أجب يا أتابك، في منزل من دارت الأحاديث التي حضرها معك أكرم حاجي؟
بدأ أتابك يشعر أن هذا الاستجواب يجري لسبب ما، وأن شيئًا خطيرًا كان مخفيًا وراء هذه الأسئلة.
– المرة الأولى التي التقينا فيها قبل حوالي شهر كانت في منزل رجل يدعى ضياء شاهيجي، والمرة الثانية – في منزل هذا الرجل (أشار أتابك إلى قوتيدار). كان أكرم حاجي حاضرًا أيضًا في هذه اللقاءات.
– من شارك في اللقاءات التي جرت في منزل ضياء شاهيجي؟
– أنا، وضياء شاهيجي، وهذا الرجل (قوتيدار) – فكر أتابك للحظة وأضاف: – وابن ضياء شاهيجي – رحمت، وأكرم حاجي، وحسن على وشخص آخر يدعى حامد.
عند سماع اسم حامد، أومأ رئيس الشرطة برأسه مؤكدًا الكلام. تابع الوالي وهو ينظر إليه من تحت حاجبيه:
– ومن كان حاضرًا في الاجتماع الثاني؟
– الأشخاص نفسهم، ماعدا حامدًا.
– متى أتيت إلى مرغلان؟
– قبل أربعين يومًا.
– حسنًا، والآن أخبرني، ما السبب الذي جعلك تقيم في مرغلان لفترة طويلة؟
– بالطبع أنت تعلم أن طشقند محاصرة. والعودة إلى هناك الآن ستكون ضربًا من الجنون.
– ماذا تقول، هل خفت من القبجاق وأنت من القاره تشابان ؟ – سأله الوالي باستهزاء.
– أنا لا أفهمك. – قال أتابك مبتسمًا، لقد كان يتحدث مع الوالي كأنه يتحدث مع شخص عادي. وما كان يقلق قوتيدار ويزيده توترًا وخوفًا ليس كلام أتابك بل ابتسامته. فالتعامل مع الحاكم بمثل هذه الطريقة، حتى لو كان على حق كمن يلقي بنفسه إلى التهلكة. صحيح أن أوتاباي كان أكثر الحكام حكمة وعدالة في ذلك الوقت، لكنه لم يستطع إلا الخضوع لتأثير العادة والجو العام في ذلك الوقت؛ ولهذا فإن أتابك بطريقته الهادئة أخرجه عن صبره:
– هل نسيت أن أباك يوسف بك حاجي هو عدو القبجاق؟ وماذا عن التعليمات التي أعطاك إياها والدك بصفتك ممثلًا له، وأعطاك بها صلاحياته؟
– من عدو القبجاق وما الصلاحيات التي تتحدث عنها؟ سألتك بالله أن تتكلم بشكل أوضح، فأنا لا أستطيع أن أفهم أي شيء، أو لتقتلوني.
– لا تتظاهر أيها البك، نحن نعلم جيدًا من هو والدك، ولماذا أرسلك إلى مرغلان، وماذا تفعل هنا مع قوتيدار. كل شيء معلوم بالوثائق؛ تريدون تحريض الناس في مرغلان ضد القبجاق، ونحن نعلم ذلك.
– يا إلهي! – صاح أتابك وقوتيدار معًا.
كان وقع الصدمة عليهما قويًا. احتبست أنفاس أتابك، واصفر لونه، في حين كان قوتيدار يرتجف كمن أصابته الحمى. بجهد جهيد حاول أتابك أن يتماسك، وقال:
– إن هذا محض افتراء يا سيدي، هل تعتقد حقًا أن والدي عدو للقبجاق، وأني قد أتيت إلى مرغلان للتحضير للانقلاب مع رفاقي؟
– لا أعتقد، بل أعلم أن الأمر كذلك، ونحن ندرك جيدًا الغرض الذي من أجله قام قوتيدار بتزوجيك ابنته، وجعلك صهرًا له.
أصاب قوتيدار ذهول تام، وبقى أتابك صامتًا أيضًا من هول الصدمة. ففسر الوالي ورئيس الشرطة اللذان كان يراقبان المتهمين بعناية، حالتهما تلك على أنها دليل ضدهما.
أخيرًا، بعد مرور ثلاث أو أربع دقائق نطق أتابك:
– إذًا أنت تعتقد أننا لسنا سوى متآمرين ومتمردين؟ حسنًا، سواء كنت تعتقد ذلك أم لا، آمل أن يكشف تحقيقك المحايد الحقيقة. أنا لا أخاف من الإعدام ولا أنوي تملقك على الإطلاق، لكن يجب أن أقول إنني أُعدُّك الأكثر عقلانية وعدلًا بين غيرك من الحكام؛ لذا أريد أن أوضح معتقداتنا وآراءنا أنا ووالدي.
نحن لا نقف في صف طرف ضد الآخر، لا القبجاق ولا أهلنا من القاره تشوبان، ونرى أنه لا ينبغي تغليب طرف على الآخر؛ فكلاهما في شئون الحكم ليسا الأفضل ولا الأسوأ. وأن ربط مستقبل تُرْكِستان بواحد فقط من هذه الأطراف تمامًا كأن نجعل الذئاب تحرس الغنم. ستسألني لماذا؟ أجل هكذا بالضبط؛ لأن الطامحين إلى السلطة من كلا الجانبين تحكمهم فقط مصالحهم الشخصية وأطماعهم. بعضهم يسعى إلى مضاعفة ثروته على حساب قمع الناس، وآخرون يحلمون برغد العيش وحياة الرفاهية، وامتلاك النساء الجميلات. ولن تجد بينهم واحدًا لديه هدف أسمى، وهو توفير الأمان والرفاهية للشعب.
لذلك أنا وأبي من أنصار هذا الهدف النبيل، يا سيدي، ولسنا ندافع عن القاره تشوبان. وحتى الآن وللأسف الشديد يبقى هذا الهدف النبيل لدينا حلمًا فحسب. لقد أصبح أبي مستشارًا لعزيز بك ليس لأنه عدو للقبجاق ونصير للقاره تشوبان، لكن لأنه يأمل في أن يحقق اقتناعاته على أرض الواقع. وللأسف، لم تتحقق آمال أبي في عزيز بك؛ فقد أدار ظهره للخان من أجل تحقيق مخططاته السوداء، وهو ما يتسبب في سفك دماء الكثير من الأبرياء. يمكنك أن تصدق أو لا تصدق، أنت حر بلا شك في ذلك، لكني، يا سيدي، مستاء من هذا الافتراء الواضح ضدي، وأتألم كثيرًا لسماع ذلك.
بعد أن استمع إلى أتابك، استغرق الوالي في التفكير جديًا، لكن الشكوك ظلت تساوره تجاهه: ففي النهاية يظل أتابك ابن يوسف بك حاجي أقرب المستشارين إلى عزيز بك، ثم إنه ربما يكون قد أعد هذا الكلام مسبقًا في حال ألقي القبض عليه؟
الشيء الوحيد الذي قرره هو إجراء تحقيق شامل في القضية، وعدم التسرع في النتائج:
– على أية حال، تبدو أفعالك مثيرة للشك بالنسبة لنا وحتى نعرف الحقيقة، ستوضعان في السجن.
لم يرد أتابك بشيء، في حين نظر قوتيدار إلى صهره نظرة حائرة كأنما يسأله: "ألا يوجد مخرج؟" وبإشارة من الوالي جاء الحراس وقادوا المتهمين إلى الزنزانة. وعندما أذن الوالي لرئيس الشرطة بالانصراف، أصدر أمره له قائلًا: غدًا، اعتقلوا المشاركين في تلك الاجتماعات، واحضروهم جميعًا إلى هنا.
14. إلى طشقند طلبًا للنجاة
فجأة تحول اليوم الثامن في شهر العسل بالنسبة إلى كوموش– التي امتلكت "السعادة غير المتوقعة"– إلى كارثة نزلت على رأسها المسكين، ولم تكن تتوقعها على الإطلاق. وكذلك بالنسبة إلى حسن علي الذي كان في نشوة سعادته: "ها أنا أخيرًا قد زوجت البك، وأسعدت قلبه بأن جمعته بمحبوبته"، ولم يكد يستوعب تفاصيل هذه الزيجة كافة، بل ولم يكد يفرح بما صنعته يداه من أجل إسعاد سيده؛ فلم تكن هذه المصيبة حدثًا بسيطًا ولا أمرًا هينًا.
أما أفتاب آيم التي كانت في قمة سعادتها وهي ترى الزوجين الشابين مثل زوجين من الحمام لا يطيقان الافتراق ولو لدقيقة، أن تزوجت ابنتها الوحيدة الحبيبة شابًا مثاليًا ورائعًا، فقد كان أمر اعتقال زوج ابنتها وزوجها غير المبرر صدمة عنيفة بالنسبة إليها. كانوا جميعًا غارقين في الهموم من هول الصدمة، لا يستطيعون تصديق ما حدث.
يئست كوموش، على ما يبدو، من أن الحياة ستمنحها السعادة، وبدت فاقدة لكل أمل في انتهاء هذا الكابوس. أما حسن علي الذي لم يكد يتنفس الصعداء بعد زواج سيده، فقد وجد نفسه أمام مشكلة عويصة لا حل لها. واستسلمت أفتاب آيم للكآبة والهموم.
الشيء الوحيد الذي كان في استطاعة كوموش وأفتاب-آيم أن تبذلاه في مواجهة مصيبتيهما هو البكاء والنحيب لأيام متتالية. حطت هذه المأساة بثقلها كالجبل على صدر حسن علي. وكانت كوموش في حيرة تامة من أمرها؛ لا تدري ماذا تفعل وممن تطلب المساعدة لإنقاذ زوجها وأبيها، فنظرت إلى حسن علي بعيون تملؤها الدموع، وكأنها تسأله: "ماذا نفعل؟". لم يكن هناك رجال آخرون في عائلة قوتيدار يمكن الاستعانة بهم. الرجل الوحيد الذي يمكن أن يكون عونًا لهم كان أحمد بك، خال كوموش، لكنه في الأغلب كان في قوقند، وبالتالي كان الاعتماد عليه دون جدوى. وهكذا، لم يبق إلا حسن علي الشخص المخلص الوحيد الذي تثق فيه كوموش وأمها.
باتت هموم المنزل وأعباؤه الثقيلة كلها تقع على كاهل حسن علي. لو أنه كان في مدينته حيث يعرف فيها الجميع ويعرفونه، لهبوا جميعًا إلى المساعدة في مثل هذه اللحظات القاسية، سواء بالقول أو بالفعل، ولما أصبح الأمر بهذه الصعوبة، لكن طشقند بعيدة، وهنا في مرغلان هو وحده تمامًا لا يعرف فيها أحدًا سوى ضياء شاهيجي وابنه رحمت. "على أية حال، ليس لدي أشخاص آخرين هنا لأعتمد عليهم" – كان حسن علي يضع عليهما آمالًا كبيرة، لكن سرعان ما تبددت آماله؛ فقد احتجز ضياء شاهيجي وولده. وسرعان ما اتضح له أن السلطات تلاحقه هو نفسه.
تملك الرعب من حسن علي وكوموش هانم وتضاعف يأسهما وحزنهما. كان حسن علي سيُعتقل في اليوم نفسه الذي اعتقل فيه أتابك وقوتيدار، لكنهم لم يجدوه؛ لأنه كان في خان المسافرين وقتها وليس في المنزل. قبل أن يبدأ جنود رئيس الشرطة بحثهم عن حسن علي كان لايزال لدى كوموش وأفتاب-آيم أمل في أن يطلق سراح أحبائهما أتابك وقوتيدار في غضون يوم أو يومين، أما الآن فقد تلاشت كل هذه الآمال.
في البداية فكر حسن علي أن يسلم نفسه طواعية للسلطات وأن يشارك أتابك مصيره، فإذا كان عليه أن يموت، فليمت معه، وإذا مرت الأمور بسلام فليطلق سراحهم جميعًا معًا. لكن كوموش وأمها عارضتا هذه الفكرة، وكانتا تقولان: "قد تكون وأنت حر أكثر فائدة للسجناء". وجد حسن علي أنهما على حق، لكن حياته صارت أصعب؛ ففي كل دقيقة كان يتوقع مجيء الشرطة للقبض عليه. ولكي يضلل الجنود كان مضطرًا إلى تغيير مكان اختبائه عدة مرات في اليوم.
فقد حسن علي شهيته، ولم يعد قادرًا على النوم ليلًا، وبات يفكر ويسأل نفسه باستمرار: "لماذا اعتقل أتابك وقوتيدار؟ وما الجرم الذي ارتكباه؟" كان حسن علي على علم بشئون سيده كلها. راودته فكرة أنه "ربما يكون قوتيدار متورطًا في بعض الأعمال الشائنة؟" لكن خوفه كان يزداد أكثر فأكثر، وقد ذكرته هذه المصيبة بالقول المأثور: "قد يهلك المرء لا لذنب اقترفه، ولكن لأن الحاكم تعطش لسفك الدماء"، وخرجت من صدره تنهيدة ملؤها الألم.
مرت خمسة أيام صعبة، ولم يتضح الأمر، لم يعرف أحد الأسباب التي جعلتهم يعتقلون أتابك وقوتيدار. لم يستطع حسن علي فعل شيء لإطلاق سراحهما، ومن الواضح أنه لن يستطيع فعل شيء في المستقبل؛ لذا كان عليه أولًا وقبل كل شيء أن يحتاط لنفسه ويبقى مختبئًا عن عيون جنود رئيس الشرطة.
Бесплатно
Установите приложение, чтобы читать эту книгу бесплатно
О проекте
О подписке